مرحلة التفكير والأعمال التحضرية لارتكاب جريمة بين الإباحة والتجريم
المطلب الأول: مرحلة التفكير وعقد العزم
تنقسم مرحلة التفكير وعقد العزم إلى مرحلتين وليست مرحلة واحدة مدمجة. ففي مرحلة التفكير في الجريمة، يمر الجاني بعمليات نفسية وعقلية تتضمن مداولة بينه وبين نفسه. ومن الواضح أن الجريمة لا تحدث إلا في الفكر ولم يتم تحديدها بعد، لذا فإنه من المستحيل تنفيذها ومعاقبته. ولكن، يعود عدم العقاب هنا إلى أن القانون الجنائي لا يتداخل مع الأخلاق، فهو لا يعاقب الأفعال التي تتعارض مع القيم الأخلاقية، بل يعاقب الاضطراب الذي يحدث في المجتمع.
ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بتأثير خارجي. عندما نتحدث عن مرحلة العزم، نقصد أنها تمثل نهاية مرحلة التفكير واتخاذ القرار بارتكاب الجريمة. في هذه اللحظة، تنتصر الرغبة في الجريمة على الخوف ويتم اتخاذ قرار كامل بارتكاب الجريمة. هذه هي المرحلة التي يتم فيها تحديد القرار الإجرامي بِناءً على الفرص المتاحة والخطة المعدة وتقدير الأفراد للمخاطر المحتملة. وعلى الرغم من أن مرحلة العزم على ارتكاب الجريمة تعتبر مرحلة الإرادة الإجرامية الكاملة، إلا أن المشرع قد أعلن عدم العقاب في المادة 45 من قانون العقوبات.
ولا يرجع ذلك إلى أن هذه المرحلة تخلو من الإثم الداخلي على العكس، فهذا التصميم الاجرامي عمل غير أخلاقي ومُدان، ولكن المشرع قد يرى في بعض الحالات خطورة معينة في بعض مظاهر عقد العزم على الجريمة، فيعمد إلى تجريم هذه المظاهر، كما هو الحال في العقاب على مجرد التحريض على ارتكاب جريمة معينة ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر (التحريض غير متبوع الأثر) المادة 95 من قانون العقوبات أو الدعوة إلى الانضمام إلى اتفاق يكون الغرض منه ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 97 من قانون العقوبات، ولو لم تقبل دعوته.
كما هو الحال في جريمة التهديد الكتابي أو الشفوي بارتكاب جريمة المادة 327 من قانون العقوبات، فضلًا على نص المادة السادسة من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 ” يعاقب على التحريض على ارتكاب أية جريمة إرهابية، بذات العقوبة المقررة للجريمة التامة… ولو لم يترتب على هذا التحريض أثر…” بل والأكثر من ذلك ما جاء في ذات القانون آنف الذكر في المادة الأولى الفقرة (ب) في تعريف الإرهابي ” كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو (يخطط) في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية…” يُخطط والتخطيط جزء من (التفكير) الداخلي النفسي الذي يسبق مرحلة عقد العزم، ليتحقق بِناءً على التخطيط شرط مفترض في الجريمة الإرهابية، وهو صفة الإرهابي.
ومما ينبغي الانتباه إليه كما قدمنا، أن المشرع في هذه الجرائم لا يُجرم هذه الأفعال باعتبارها مرحلة مُبكرة لارتكاب الجريمة، أي باعتبارها كاشفة عن التفكير وعقد العزم عليها، بل باعتبارها جرائم مستقلة، فالفاعل قد قام فيها جميعًا بنشاطٍ ماديًّ رأي المشرع فيه في ذاته خطورة معينة استوجبت في نظره التجريم.
مرحلة التفكير والأعمال التحضرية لارتكاب جريمة بين الإباحة والتجريم
